المحلي بالاثار (صفحة 2411)

أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعِمْرَانَ، وَجَابِرٍ، وَالْأَشْعَثِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} [آل عمران: 77] فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ وَلَا إيجَابُهَا، كَمَا لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِتَوْبَةٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهَا كُلِّهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ بِالنَّارِ وَالْعِقَابِ -.

فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ.

ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ -:

قِسْمٌ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ -: يَقْطَعُ: بِكَوْنِهِ وَلَا بُدَّ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقِسْمٌ قَالُوا: هُوَ نَافِذٌ مَا لَمْ يَتُبْ - فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ احْتَجَّ بِآيَةٍ وَأَخْبَارٍ صِحَاحٍ فِي إسْقَاطِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ لَيْسَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ ذِكْرٌ أَصْلًا، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا كُلَّ مَا فِيهَا عَلَانِيَةً - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، مِنْهَا لَغْوٌ لَا إثْمَ فِيهِ، وَلَمْ يَرِدْ هَذَا الصِّنْفُ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِلَا شَكٍّ.

وَمِنْهَا - مَا يَكُونُ الْمَرْءُ بِهَا حَالِفًا عَلَى مَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُغْنِي فِي هَذَا.

وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِنْهَا - الْيَمِينُ الْغَمُوسُ الَّتِي اخْتَلَفْنَا فِيهَا، وَبِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي نَحْنُ وَهُمْ أَنَّ الْحَالِفَ بِهَا لَا يُسَمَّى مُسْتَلِجًا فِي أَهْلِهِ، فَبَطَلَ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْخَبَرِ هَذَا الْقَسَمَ، وَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إسْقَاطِهِمْ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، مَعْنَاهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - بَيِّنٌ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ دُونَ تَبْدِيلٍ وَلَا إحَالَةٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَرْءُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى أَهْلِهِ، أَوْ أَنْ لَا يَضُرَّ بِهِمْ، ثُمَّ لَجَّ فِي أَنْ يَحْنَثَ، فَيَضُرَّ بِهِمْ، وَلَا يُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ - فَهَذَا بِلَا شَكٍّ مُسْتَلِجٌ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ أَنْ لَا يَفِيَ بِهَا، وَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا بِلَا شَكٍّ - وَالْكَفَّارَةُ لَا تُغْنِي عَنْهُ، وَلَا تَحُطُّ إثْمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015