فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ نَذَرَهُ فَقَدْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ. فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ النُّذُورَ وَالْعُقُودَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا إنَّمَا هِيَ نَذْرُ الطَّاعَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ نَذْرُ الطَّاعَةِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا وَلَا مَزِيدَ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً إنْ رَأَى مَعْصِيَةً أَوْ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَوْ إذْ رَأَى مَعْصِيَةً سُرُورًا بِهَا - فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْهُ عِصْيَانٌ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا يَشُكُّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا مُسْلِمٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ كُلَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ فَلَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَأَمَّا مَا لَا طَاعَةَ فِيهِ وَلَا مَعْصِيَةَ، فَإِنَّ نَاذِرَهُ مُوجِبٌ مَا لَمْ يُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نَدَبَ إلَيْهِ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى، فَفِعْلُهُ لِذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -[يَقُولُ] : «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا يَعْصِهِ» . قَالَ أَحْمَدُ: طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَقَالُوا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» . وَهَذَا كُلُّهُ هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، أَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْوَفَاءِ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ وَنَهَاهُ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً مِنْ الْوُقُوفِ وَتَرْكِ الِاسْتِظْلَالِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ.