{وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50] .
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] ثُمَّ يُصِرُّونَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا يُحَرِّمُونَهُ مِمَّا هُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حَلَالٌ لَهُمْ وَيَسْأَلُونَ عَنْ الشَّحْمِ وَالْجَمَلِ أَحَلَالٌ هُمَا الْيَوْمَ لِلْيَهُودِ أَمْ هُمَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ إلَى الْيَوْمِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ إلَى الْيَوْمِ كَفَرُوا، بِلَا مِرْيَةٍ؛ إذْ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْسَخْهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُمَا حَلَالٌ صُدِّقُوا وَلَزِمَهُمْ تَرْكُ قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي ذَلِكَ. وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ يَهُودِيٍّ مُسْتَخْفٍ بِدِينِهِ يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَذَبَحَ شَاةً. أَيَحِلُّ لَنَا أَكْلُ شَحْمِهَا لِاسْتِحْلَالِ ذَابِحِهَا لَهُ أَمْ يَحْرُمُ عَلَيْنَا تَحْقِيقًا فِي اتِّبَاعِ دِينِ الْيَهُودِ دِينِ الْكُفْرِ وَدِينِ الضَّلَالِ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكِلَاهُمَا خُطَّةُ خَسْفٍ. وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يَسْتَحِلُّوا أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ وَلَا أَكْلَ حِيتَانٍ صَادَهَا يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَابْنِ عُمَرَ: إبَاحَةَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ دُونَ اشْتِرَاطٍ لِمَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِمَّا لَا يَسْتَحِلُّونَهُ.
وَكَذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، وَضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَطَاوُسٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، لَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلَ إلَّا عَنْ قَتَادَةَ - ثُمَّ عَنْ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ.