وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَمُوتُ مَنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْمَرِيءَ، كَمَا يَمُوتُ مَنْ قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ؛ فَتَعَرَّى هَذَا الْقَوْلُ مِنْ الدَّلِيلِ، فَسَقَطَ؛ إذْ كُلُّ قَوْلٍ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَاعَى الْأَكْثَرَ فِي الْقَطْعِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى نُقْصَانِ أُذُنِ الذَّبِيحَةِ وَذَنَبِهَا؟ قُلْنَا: قِسْتُمْ الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ؛ وَمَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ، وَلَا تَخْلُو هَذِهِ الْآرَابُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعُهَا كُلَّهَا فَرْضًا، وَلَا يَكُونُ قَطْعُهَا كُلُّهَا فَرْضًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعُهَا كُلُّهَا فَرْضًا فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ فِي إيجَابِ قَطْعِ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُهَا كُلُّهَا قَدْ وَجَبَ فَرْضًا فَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ بَعْضُهُ. وَيَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ الظُّهْرِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى الْأَكْثَرَ - وَأَنَّ مَنْ صَامَ أَكْثَرَ النَّهَارِ أَنَّهُ يَجْزِيهِ، وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ، فَلَاحَ فَسَادُ قَوْلِهِ جُمْلَةً، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّ إيجَابَهُ الْحُلْقُومَ وَإِسْقَاطَهُ الْمَرِيءَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ. وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ غَيْرُ مُتَرَدٍّ. وَعَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ كَذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا فِي إيجَابِهِ الْوَدَجَيْنِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ أَيْمَنَ نا مُطَّلِبٌ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ ذَبَحَتْ شَاةً؟ فَقَالَ لَهَا: أَفَرَيْتِ الْأَوْدَاجَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا لَمْ يَكُنْ قَرْضَ سِنٍّ، أَوْ حَزَّ ظُفْرٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ فِي نِهَايَةِ السُّقُوطِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالْكَذِبِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ الْكَذِبَ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ.