ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحِسِّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا فَيُرِيدُونَ حَمْلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؛ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ نَا مُوسَى بْنُ دَاوُد عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ» فَهَذَا بِمَكَّةَ فَاَلَّذِي بِمَكَّةَ مِنْ هَذَا كَاَلَّذِي لِلْمَدِينَةِ، إذْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْجَنَّةِ.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَأَوَّلُوا هُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِدُونِ الْأَلْفِ، وَقُلْنَا نَحْنُ: بَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ مُحْتَمَلٌ. نَعَمْ، تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي كِلَيْهِمَا سَوَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى أَحَدِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ دُونَ الْآخَرِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ» وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَكَّةَ لَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ أَيْضًا؛ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - يَصْرِفُهُ عَنْهَا كَمَا يَصْرِفُهُ عَنْ الْمَدِينَةِ وَالْمَلَائِكَةُ تَنْزِلُ عَلَى الْمُصَلِّينَ فِي كُلِّ بَلَدٍ كَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " أَنَّهُ يَتَعَاقَبُ فِينَا مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ".
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هِيَ طَيِّبَةٌ» وَنَعَمْ، هِيَ وَاَللَّهِ طَيِّبَةٌ، وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ أَصْلًا.
فَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مَا لَهُمْ خَبَرٌ صَحِيحٌ سِوَى هَذِهِ، وَكُلُّهَا لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ أَصْلًا عَلَى مَا بَيَّنَّا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.