المحلي بالاثار (صفحة 1181)

وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمِّرُوا وُجُوهَهُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» .

وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ؟ وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ - لَوْ صَحَّ - عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُحْرِمِ أَصْلًا، بَلْ كَانَ يَكُونُ فِي سَائِرِ الْمَوْتَى؟ وَثَالِثُهَا - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ، وَالْيَهُودُ لَا تَكْشِفُ وُجُوهَ مَوْتَاهَا.

فَصَحَّ أَنَّهُ بَاطِلٌ، سَمِعَهُ عَطَاءٌ مِمَّنْ لَا خَيْرَ فِيهِ أَوْ مِمَّنْ وَهَمَ وَالرَّابِعُ -: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مُسْنَدًا فِي الْمُحْرِمِينَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْآخَرُ بِلَا شَكٍّ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَمْرٍ أَمَرَ بِهِ أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَنْهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، ثُمَّ يَأْمُرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، لَا تَشَبُّهًا بِهِمْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِ الْيَهُودِيَّةِ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، ثُمَّ أَتَاهُ الْوَحْيُ بِصِحَّةِ عَذَابِ الْقَبْرِ

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ «إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» .

وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَمَلُ غَيْرِهِ فِيهِ، بَلْ غَيْرُهُ مَأْمُورٌ فِيهِ بِأَعْمَالٍ مُفْتَرَضَةٍ، مِنْ غُسْلٍ، وَصَلَاةٍ، وَدَفْنٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَيْسَ هُوَ عَمَلُ الْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ، إنَّمَا هُوَ عَمَلُ الْأَحْيَاءِ - فَظَهَرَ تَخْلِيطُهُمْ وَتَمْوِيهُهُمْ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015