سُئِلَ عَنْهُ، كَمَا أَفْتَى فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، وَكَمَا أَفْتَى أُمَّ سَلَمَةَ فِي أَنْ لَا تَحِلَّ ضَفْرَ رَأْسِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَسَائِرِ مَا اُسْتُفْتِيَ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَأَفْتَى فِيهِ فَكَانَ عُمُومًا؟ .
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ أَتَوْا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّدًا» وَيُلَبِّي " " وَيُهِلُّ " فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ، وَأَوْقَفُوهُ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، وَأَتَوْا إلَى مَا خَصَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ -: فَتَعَدَّوْا بِحُكْمِهَا إلَى مَا لَمْ يَحْكُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ بِهَذَا الْحُكْمِ فِيهِ فَإِنَّمَا أَوْلَعُوا بِمُخَالَفَةِ الْأَوَامِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ: تَحْنِيطُ الْمُحْرِمِ إذَا مَاتَ، وَتَطْيِيبُهُ، وَتَخْمِيرُ رَأْسِهِ؟
قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَغَيْرِهِ خِلَافُ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ مُعْتَمِرًا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَمَاتَ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمْ يُغَيِّبْ عُثْمَانُ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُمْسِسْهُ طِيبًا، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ -: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا أَبِي قَالَ: تُوُفِّيَ عُبَيْدُ بْنُ يَزِيدَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يُغَيِّبْ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ رَأْسَهُ فِي النَّعْشِ -: وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ، يُغْسَلُ رَأْسُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، وَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ، وَلَا يَمَسُّ طِيبًا؟ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ وَالْعَجَبُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَهُمْ يَدَّعُونَ الْإِجْمَاعَ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا كَدَعْوَاهُمْ فِي الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ: ثَمَانِينَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ عُثْمَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا؟
قُلْنَا: وَقَدْ خَالَفَ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالْحَسَنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: فِي حَدِّ الْخَمْرِ بَعْدَ عُمَرَ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا؟ وَإِذَا تَنَازَعَ السَّلَفُ فَالْفَرْضُ عَلَيْنَا رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَا إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَهُمَا؟