جمع رَهْن، لما تصوَّر على شكل كتاب وَمِثَال وَنَحْوهمَا، وَكَانَ هَذَا الضَّرْب من الأشكال يكسَّر على فُعُل، نَحْو كُتُب ومُثُل، كسِّر على مثل مَا كسر عَلَيْهِ ذَلِك الْوَاحِد، فَقيل رُهُن؛ فَإِذا كَانَ مثل هَذَا كَذَا، جَعَلْنَاهُ جمعا وَإِن كَانَ نَادرا، وَلم نحمله على انه جمع جمع، لِأَن جمع الْجمع قَلِيل فِي الْكَلَام الْبَتَّةَ، إِذْ لَيْسَ بِأَصْل؛ أَلا ترى أَنه إِن وسعنا جمع الْجمع قِيَاسا، وسعنا جمع جمع الْجمع؟ وَإِنَّمَا يحمل سِيبَوَيْهٍ صِيغَة الْجمع، على جمع الْجمع، إِذا لم يجد عَن ذَلِك موئلا محرزا، وَلَا معقلا محتجزا.

وَمن طريف مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْكتاب: الْفرق بَين التَّخْفِيف البدلي، وَالتَّخْفِيف القياسي، وهما نوعا تَخْفيف الْهَمْز، كَقَوْلي: إِن قَول الْعَرَب أخطيت لَيْسَ بتَخْفِيف قياسي، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْفيف بدلي مَحْض، لِأَن همزَة أَخْطَأت همزَة سَاكِنة قبلهَا فَتْحة، وَصُورَة تَخْفيف الْهمزَة الَّتِي هذي نصبتها: أَن تخلص ألفا مَحْضَة، فَيُقَال: أخْطات، كَقَوْلِهِم فِي تَخْفيف كأس: كاس، لِأَن " طأت " من أَخْطَأت، بِمَنْزِلَة كأس، كَمَا أَن " طَلِقْ " من انْطَلِق، على وزن فَخِذ، فَلذَلِك قيل: انْطَلْقْ، فِي انْطَلِقْ، كَمَا قيل: فَخْذ؛ وَإِذا انْقَطع من المركَّب شَيْء على شكل الْبَسِيط، فَهَذَا حكمه، اعني أَن يُعَامل مُعَامَلَته، وعَلى نَحْو هَذَا وجَّهَ الْفَارِسِي قَول امْرِئ الْقَيْس:

فاليَوْمَ أشْرَبْ غَيرَ مُسْتَحْقِبٍ ... إْثما مِنَ اللهِ وَلَا وَاغِلِ

قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ: أشْرب غير، متصوّرا فِي أثْنَاء ذَلِك من الْكَلِمَتَيْنِ " رَبُغَىْ " على شكل عَضُدٍ، فَخفف الثَّانِي من هَذَا الشكل، وَهِي بَاء " رَبْغَىْ "، كتخفيف ثَانِي عَضُدٍ، فَقَالَ: رَبْغَىْ، كعَضْدٍ، وَمثله كثير. فَكَذَلِك مثلت مَا تصور من أَخْطَأت، على صُورَة كأس، بِلَفْظ كاس، فَلَمَّا لم أجد أخطيت مقتضية للتَّخْفِيف القياسي، قلت: إِنَّه بدليّ.

وَقد أبنت أشباه هَذَا فِي كتابي الموسوم " بالوافي، فِي أَحْكَام علم القوافي " وَهَذَا الَّذِي أبنت لَك فِي أخطيت وَنَحْوه، بَاب لطيف قد نبا عَنهُ طبع أبي عبيد وَابْن السّكيت وَغَيرهمَا من متأخري اللغويين؛ فَأَما قدماؤهم فأضيق باعا، وأنبى طباعا؛ أَلا ترى ابْن الأعرابيّ يَقُول فِي كِتَابه الموسوم بالنوادر: وَمِمَّا يهمز ويخفف قَوْلهم: هاوَأْتُهُ وهاوَيتُه، وذِئب وذِيب، فخلط البدلي وَهُوَ هاوَيتُه، بالقياسي وَهُوَ ذِيب. وَقد نحا أَبُو عبيد فِي كِتَابه الموسوم " بالمصَنَّف " هَذِه المنحاة الَّتِي نحاها ابْن الْأَعرَابِي، وَأَيْنَ أغرب من اعْتِدَاد أبي عبيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015