عندهم قد غلب على مجيء جبريل عليه السلام بالوحي دون سواه من أنواع الوحي، لذا لا حاجة إلى الاستفسار عن سبب تركه صلّى الله عليه وسلّم لأنواع الوحي الأخرى، والله أعلم.
مسألة: هل وقع الوحي بالقرآن بغير الطريق المشهور؟
عن أنس رضي الله عنه قال: «بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟
قال: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 1 - 3]» (?).
هل يدل حديث أنس رضي الله عنه على أن سورة الكوثر نزلت مناماً، وليس في الحال المشهورة للوحي؟
إنه لو كان هذا وقع، فإنه لا شيء يخلُّ بقرآنية سورة الكوثر؛ لأنَّ رؤيا الأنبياء وحي، والنبي صلّى الله عليه وسلّم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد رأى في منامه من الوحي الشيء الكثير.
لكن حمل عبارة أنس رضي الله عنه: «أغفى إغفاءة» على الحالة التي كانت تعتري الرسول صلّى الله عليه وسلّم أثناء الوحي أولى؛ لأن كون الرسول صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، وبين أظهرهم يُبعِد أن يقع منه نومٌ، فتلك مخالفة للمعتاد من حاله مع أصحابه، أما وقوع الوحي، وهو بينهم، فهذا كثيرٌ جدّاً، والله أعلم.
كما يُلاحظ أنَّ عباراتهم عن هذه الحالة تختلف من صحابي إلى آخر، فقد ورد عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه رضي الله عنه حكاية هذه الحال، حيث ذكر: أن رجلا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق أو قال صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله على النبي صلّى الله عليه وسلّم فستر بثوب ووددت أني قد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل عليه الوحي فقال عمر: تعال أيسرك أن تنظر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل عليه