المبحث الأول
كيفية الوحي
قد ورد في السنة ما يدل على كيفية الوحي والحال التي يكون عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أثناء تلقيه له، ومن ذلك ما ورد عن الحارث بن هشام رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف يأتيه الوحي؟
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله. كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلاً، فيكلمني، فأعي ما يقول».
قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينْزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً (?).
والسؤال ـ كما هو ظاهر من جوابه ـ متوجه إلى كيفية نزول الوحي بواسطة جبريل عليه السلام، وأنه كان ينْزل بهاتين الطريقتين، وفي الحديث إجمال، حيث لم يذكر هل ينْزل القرآن بهاتين الطريقتين أم بأحدهما؟
والحالة الأولى هي الحالة الأظهر في ذلك؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان يعالج شدة أثناء نزول الوحي عليه، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 17]. قال ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ): «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التنْزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه ـ فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم