أما القائلون بأن العبرة بخصوص السبب فيعنيهم بالدرجة الأولى من نزل فيه الخطاب؛ لأنه هو المقصود الأول به، ثم يدخل معه غيره بعد ذلك قياساً.
ثانياً: أن من يذهب إلى عموم اللفظ قد يُدخل غير صورة السبب في معنى الآية، أما من يذهب إلى القياس، فلا يقيس إلا في صورة السبب، ولا يُدخل غير صورته فيه، وسيأتي توضيح هذا بالمثال.
وإذا تأملت الآيات التي لها أسباب النُّزول، فإنك ستجد بعضها نزل بشأن أمر معين متعلق بشخصٍ أو جماعة، وبعضها نزل بشأن أمر يشمل صوراً متنوعة، ولا تجد في النص ما يفيد التخصيص.
أما الأمر الأول، وهو نزولها بشأن أمر متعلق بشخص معين فكثير، منها ما نزل بشأن كعب بن عجرة رضي الله عنه لما كانت تؤذيه هوام رأسه، فنَزلت آية الفدية، وهي قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، فقد روى البخاري بسنده عن عبد الله بن معقل، قال: «جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه فسألته عن الفدية، فقال نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة؛ حُمِلْتُ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقمل يتناثر على وجهي فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى؛ تجد شاة؟ فقلت: لا. فقال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع» (?).
فقوله: نزلت فيَّ خاصَّة، وهي لكم عامة يشير إلى القول بالعموم، لكن هل هو من باب عموم اللفظ، أو من باب القياس؟
إن قلت من باب عموم اللفظ، فكعب بن عجرة وحاله مجرد مثالٍ من أمثلة هذا العموم، وإن كان هو الذي نزلت بشأنه الآية.
وإن قلت بالقياس، فكعب هو الذي نزلت فيه خاصة، ولا يدخل معه