أولاً: عبارة (فأنزل الله، فنَزلت):

عبارة (فأنزل الله، فنَزلت) أَدْخَلُ في السببية من عبارة (نزلت في كذا، أُنزلت في كذا)؛ إذ غالب ما يرد بهذه الصيغة يدخل في سبب النُّزول المباشر بخلاف عبارة (نزلت في كذا، أُنزلت في كذا).

ومن قرأ في آثار السلف ظهر له أنهم قد يتوسعون في إطلاق عبارات النُّزول، ولا يريدون بها بيان سبب النُّزول، وإنما يريدون معنى لآخر؛ كالتفسير وغيره، ومن أمثلة ذلك ما رواه الطبري في قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]، فعن أبي الكنود عن عبد الله: «{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} قالوا: حنطة حمراء فيها شعيرة فأنزل الله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}». فقوله: «فأنزل الله» لا يعني سبب النُّزول كما هو ظاهر من الأثر؛ لأنه لا يصحُّ حمل هذه العبارة على إرادة سبب النُّزول المباشر، والله أعلم.

ومن أمثلة ما ورد من هذه العبارة، وأريد به سبب النُّزول المباشر ما رواه البخاري في أمر تحويل القبلة عن البراء بن عازب رضي الله عنه: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت، وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم قِبَلَ مكة، فَدَاروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تُحَوَّلَ قِبَلَ البيت رجالٌ قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنْ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]» (?).

ثانياً: عبارة (نزلت في كذا، أُنزلت في كذا):

يكثر في هذه العبارة إرادة التفسير، وما يأتي منها لبيان سبب النُّزول المباشر قليل بالنسبة للعبارة الأولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015