ومن ذلك قراءة ابن هُرْمُز: "الَّتِي أَرْضَعْنَكم"1 بلفظ الواحد.
قال أبو الفتح: ينبغي أن تكون التي هنا جنسًا فيعود الضمير عليه على معناه دون لفظه، كما قال سبحانه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} 2، ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} ، فهذا على مذهب الجنسية، كقولك: الرجل أفضل من المرأة، وهو أمثل من أن يُعتقد فيه حذف النون من "الذي" كما حذفت من "اللذا" في قوله:
إن عَمَّيَّ اللذا3
ألا ترى أن قوله: "التي ارضعنكم" لا يجوز أن يُعتقد فيه حذف النون؛ لأنه لا يقال: اللتين، والقول الآخر وجه، إلا أن هذا أقوى لهذه القراءة، وعليه قول الأشهب بن رُميلة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أُمَّ خالد4
يحتمل المذهبين: حذف النون من الذين، واعتقاد مذهب الجنسية على ما مضى.
ومن ذلك قراءة محمد بن السميفع: "كَتَبَ اللَّهُ عَلَيكم"5 مفتوحة الكاف، وليس بعد التاء ألف، والباء نصب.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دليل على أن قوله: "عليكم" من قوله: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} في قراة الجماعة مُعلَّقة6 بنفس كتاب، كما تعلقت في "كَتَبَ اللَّهُ عَلَيكم" بنفس كتب، وأنه ليس "عليكم" من {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} اسمًا سُمي به الفعل7، كقولهم: عليك زيدًا، إذا أردت: خذ زيدًا؛ وذلك أن عليك ودونك وعندك إذا جُعلن أسماء للفعل لسن منصوبات المواضع، ولا هن متعلقات بالفعل مُظْهَرًا ولا مُضْمَرًا، ولا الفتحة في نحو: دُونك زيدًا فتحة إعراب كفتحة الظرف في نحو قولك: جلست دونك؛ بل هي فتحة بناء؛ لأن الاسم الذي هو عندك8 زيدًا