وأول من تظاهر بهذا جداً ببلاد المغرب " فيما علمنا " يهدي الموحدين، وهو أبو عبد الله محمد بن تومرت السوسي، وكان رجلاً فقيهاً، له رحلة إلى المشرق ولقي فيها المشايخ كالإمام الغزالي رضي الله عنه، فلما قفل إلى المغرب لقي في طريقه عبد المؤمن بن علي قد ارتحل في طلب العلم وهو شاب صغير، وكان عنده فيما يقال علم من علم الحدثان فلما بصر به توسم فيه أنه صاحب الأمر فقال له: اذهب معي وأنا أعلمك ما تشاء من العلوم، فصحبه عبد المؤمن في دخوله إلى المغرب، فلما وصلوا إلى حضرة مراكش - حرسها الله - وجدوا فيها آخر المرابطين، ووجدوا أموراً مختلفة كما هو المعهود في أذناب الدول، فدخل ابن تومرت وأظهر شيئاً مما حمل من العلوم العقلية، فأنكر أهل البلد ذلك، وكانوا إذ ذاك أهل بادية، فوشوا به إلى صاحب الوقت، فاستدعى وناظر حتى ظهر عليهم، فخلى السلطان سبيله، وبقي في البلد، ثم جعل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وشاع ذلك، فأنهوا أمره ثانية إلى السلطان وأغروه به، فأمر بإخراجه فخرج إلى تلك الجبال وجعل يدعو إلى الدين، وأقبل عليه الناس، ثم تظاهر بأنه هو المهدي، فلما اجتمع إليه الناس حضهم على إعلاء الدين، وجهاد المفسدين، فتقدم بهم إلى مراكش، وجرت بينهم وبين المرابطين حروب شديدة مات في خلالها بعد أن أوصى بعبد المؤمن وهيأ الأمر له، فولي عبد المؤمن واستوسق الأمر له، ولولده من بعده، وهم أتباع المهدي مع كل من يشايعهم في أنه هو المهدي من الطائفة التومرتية، وقد أنكر الفقهاء عليهم ذلك وضللوهم، ولا شك في ضلالهم في ذلك عند كل من يعترف بوجود المهدي في آخر الزمان.
وقد ألف بعد ذلك الجلال السيوطي كتابه: " العرف الوردي، في أخبار المهدي " و " الكشف في مجاوزة هذه الأمة الألف " وبسط القول في ذلك بما فيه غنية من أن المهدي متأخر حتى يكون في آخر الزمان لوقت خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، وأنه ليس هو ابن تومرت ولا أمثاله من كل من يدعي ذلك إلى زماننا.