قال عبد الرحمان بن " أبي " الزناد لأشعب الطامع: أنت شيخ مسن، فهل تروي شيئاً من الحديث قال: نعم، حدثني عكرمة عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: خصلتان من حافظ عليهما دخل الجنة قال: قلت: فما هما؟ قال: نسي عكرمة إحداهما ونسيت أنا الأخرى.

وكان أشعب هذا يغشى سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، فخرج سالم يوماً إلى حائط له بأهله ومعهم طعام، فتبعهم أشعب ودق الباب فلم يفتح له فتسور الحائط فأشرف على سالم فقال له سالم: أما تستحيي؟ تطلع على بناتي؟ فقال أشعب:) لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا في بَنَاتِكَ منْ حَقٍّ وَإنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (فقال له: اخرج وبعث إليه بطعام فأكله وانصرف.

وتداعى قوم من بني راسب وقوم من الطفاوة إلى زياد زياد في غلام وأقام كلّ بينةً، فأشكل الأمر على زياد، فقام سعد الرابية اليربوعي فقال: أيها الأمير، قد تبين لي في هذا الكلام وجه الحكم فوَلِّنِيِه، فقال: ما هو؟ فقال: يطرح في النهر، فإن طفا فوق الماء فهو للطفاوة، وإن رسب في الماء فهو لبني راسب، فنهض زيد وذهب وقد علاه الضحك، ثم أرسل إلى سعد فقال: ألم أنهك أن تمازح في مجلسي قال: أصلحك الله حضرني أمر خفت " أن أنساه ".

ودخل رجل على الشعبي وامرأته معه فقال: أيكما الشعبي؟ فقال الشعبي: هذه، وأشار إلى المرأة، فقال: ما تقول في رجل شتمني في أول " يوم من " رمضان أيؤجر على ذلك أم لا؟ فقال الشعبي: أما إن قال لك: يا أحمق فأرجو أن يكون له في ذلك الأجر العظيم.

وأهدى رجل إلى الحجاج تيناً في غير إبانه فجلس على الباب ينتظر الجائزة، فإذا بقوم جلبوا ليقتلوا، فلما بلغوا الباب هرب واحد منهم، فخاف الموكل بهم على نفسه، فأخذ صاحب التين فيهم، فلما قدموا للقتل قال: أيها الأمير، هؤلاء يذنبون وأنا لا ذنب لي، فقال له الحجاج: ألست منهم؟ فقال: لا، أنا " الذي " جئت بالتين، فبحث الحجاج على ذلك فوجده صادقاً فقال له: أخفناك مع إحسانك إلينا، تمن عليّ، فقال له الرجل: تعطيني ربع دينار، فقال: ما تصنع به؟ قال: أشتري به فأساً فأقطع هذه الشجرة التي كانت سبب معرفتي بك، فضحك الحجاج وأمر له بصلة سنية.

ومات للحجاج بعض من يعز عليه فقال لمن بحضرته: ليت إنساناً يعزيني بما يسليني، فقال رجل من أهل الشام كان أرسله عبد الملك إليه: أنا أسليك قال: قل، فقال: كل خليل سوف يفارق خليله بموت أو يقتل أو يصلب أو يقع من أعلى البيت أو يقع في بئر أو يكون شيء آخر لا نعرفه، فقال الحجاج: قد سليتني والله عن مصيبتي بأعظم منها في توجيه أمير المؤمنين رسولاً مثلك.

ودخل إسماعيل بن يسار يوماً على الغمر بن يزيد بن عبد الملك بعد أن حجبه ساعة ثم أذن له، فجعل إسماعيل يبكي، فقال له الغمر: ما يبكيك؟ فقال: وكيف لا أبكي وأنا على مروانيتي ومروانية أبوي أحجب عنك؟ وجعل الغمر يعتذر له وهو يبكي فما سكت حتى وصله بمال، فلما انصرف تبعه رجل فقال له: أي مروانية كانت لك ولأبويك؟ فقال: بغضنا إياهم، امرأته طالق إن لم تكن أمه تلعن مروان وآله كل يوم مكانَ التسبيح، وإن لم يكن أبوه حضره الموت فقيل له: قل: لا إله إلاّ الله فقال: لعن الله مروان تقرباً بذلك إلى الله تعالى وإقامة له مقام التوحيد.

ودخل أبو دلامة على المهدي فقال له:

إني رأيتك في المنا ... م وأنت تعطيني خياره

مملوءة بدراهم ... وعليك تفسير العبارة

فقال له: هات خيارة تملأ لك، فخرج وأتى بقرعة فقال له: أنت رأيت الخيارة وهذه قرعة فقال: أُم الدلامي طالق إن كنت رأيت إلاّ قرعة، ولكني نسيت فما ذكرتها حتى رأيتها في السوق، فضحك المهدي وأمر له بخمسة آلاف درهم.

وجلس بشار يوماً مع الناس على باب المهدي ينتظرون الإذن، فقال بعض موالي المهدي لمن حضر: ما عندكم في قوله تعالى:) وَأوْحَى رَبُّكَ إلى النَحْلِ (ما المراد بالنحل؟ فقال بشار: النحل التي يعرفها الناس، فقال: هيهات يا أبا معاذ! النحل هنا بنو هاشم، وقوله:) يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ للنّاسِ (هي أنواع العلوم. فقال له بشار: جعل الله طعامك وشرابك وشفاءك ما يخرج من بطون بني هاشم، فغضب وشتم بشاراً. وبلغ الخبر المهدي فدعاهما فسألهما عن القصة، فأخبره بشار بها فضحك حتى أمسك على بطنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015