المثل السائر في البخل: هو أبخل من مادر، وهو رجل من بني هلال بن عامر بلغ من بخله أنه يسقي إبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل فسلح فيه ومدر الحوض به فسمي مادراً. وذكروا أن بني هلال وبني فزارة تنافروا إلى أنس بن مدرك وتراضوا به، فقالت بنو فزارة: لم نعرفه، وكان سبب ذلك أن ثلاثة اصطحبوا: فزاري، وثعلبي، وكلابي، فصادفوا حمار وحش، ومضى الفزاري في بعض حوائجه فطبخا وأكلا وخبأ اللفزاري أير الحمار فلما رجع قالا: قد خبأنا لك حقك فكل، فأقبل يأكل ولا يسيغه فجعلا يضحكان: ففطن وأخذ السيف وقام إليهما وقال: لتأكلا منه أو لأقتلكما، فامتنعا فضرب أحدهما فقتله وتناوله الآخر فأكل منه، فقال الشاعر:
نشدتك يا فزار وأنت شيخ ... إذا خيّرت تخطيء في الخيار
أصيحانية أدمت بسمن ... أحب إليك أم أير الحمار
بلى أير الحمار وخصيتاه ... أحب إلى فزارة من فزاري
فقالت بنو فزارة: منكم يا بني هلال من سقى إبله فلما رويت سلح في الحوض ومدره بخلاً فنفرهم أنس بن مدرك على الهلاليين فأخذ الفزاريون منهم مائة بعير وكانوا تراهنوا عليها، وفي بني هلال يقول الشاعر:
ولكن يرى مشرقاً وجهه ... ليرغم في حاله من رغم
لقد جللت خزياً هلال بن عامر ... بني عامر طرا بسلحة مادر
فأف لكم لا تذكروا الفخر بعدها ... بني عامر أنتم شرار العشائر