فانتبه فزعاً من كلامهما، فنفخهما، فألقاهما إلى أصبهان، فقبرهما اليوم بها، فقال الخليل: قبحك الله ما أكذبك! قال: «يابن أخي ما بينا شيئاً إلا وهو دون الراقود» .
قيل: وقدم بعض العمال من عمل، فدعا قوماً إلى طعامه، وجعل يحدثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال عز وجل: «سماعون للكذب أكالون للسحت» .
قيل: وكان رجال من أهل المدينة من بين فقيه ورواية وشاعر، يأتون بغداد، فيرجعون بحظوة وحال حسنة؛ فاجتمع عدة منهم، فقالوا لصديق لهم لم يكن عنده شيء من الأدب: «لو أتيت العراق فلعلك أن تصيب شيئاً» . قال: «أنتم أصحاب آداب تلتمسون بها» . فقالوا: «نحن نحتال لك» ، فأخرجوه، فلما قدم بغداد طلب الاتصال بعلي بن يقطين، وشكا إليه الحاجة، فقال: «ما عندك من الأدب» ؟ فقال: «ليس عندي من الأدب شيء غير أني أكذب الكذبة وأخيل إلى من يسمعها أني صادق» . وكان ظريفاً مليحاً، فأعجب به، وعرض عليه مالاً، فأبى أن يقبله وقال: «ما أريد منك إلا أن تسهل أذني، وتدني مجلسي» . قال: «ذاك لك» . وكان من أقرب الناس إليه مجلساً حتى عرف بذلك. وكان المهدي قد غضب على رجل من القواد، واستصفى ماله، وكان يختلف إلى علي بن يقطين، رجاء أن يكلم له المهدي، وكان يرى قرب المديني، ومكانه من عليه، فأتى المديني القائد عشياً فقال: «ما البشرى» ؟ قال: «لك البشرى وحكمك» ، قال:
«أرسلني علي بن يقطين إليك وهو يقرئك السلام ويقول: قد كلمت أمير المؤمنين في أمرك، ورضي عنك، وأمر برد مالك وضياعك ويأمرك بالغدو إليه لتغدو معه إلى أمير المؤمنين متشكراً» . فدعا له الرجل بألف دينار وكسوة وحملان، وغدا على علي مع جماعة من وجوه العسكر متشكراً، فقال له علي: «وما ذاك» ؟ قال: «أخبرني أبو فلان- وهو إلى جنبه- كلامك أمير المؤمنين في أمري ورضاه عني» ، فالتفت إلى المديني وقال: «ما هذا» ؟
فقال: «أصلحك الله، هذا بعض ذلك المناع نشرناه» ، فضحك علي