الطري والجبن الطري، وكان جميع ملوك فارس يتبركون بذلك، وكان يسرق له في كل يوم نيروز ماء في جرة من حديد أو فضة، ويقول: «استرق هذا الأسعدين، ويتحمل الأيمنين» ، وجعل في عنق الجرة قلادة من يواقيت خضر منظمة في سلك الذهب ممدود، فيها خرز من زبرجد أخضر، ولم يكن يسرق ذلك الماء إلا الأبكار من أسافل دارات الأرحاء، وصنائع الغنى، فكان متى اجتمع النيروز في يوم السبت، أمر الملك لرأس الجالوت بأربعة آلاف درهم، ولم يعرف له سبب أكثر من أن السنة جرت منهم بذلك، فصارت كالجزية، فكان يبنى قبل النيروز بخمسة وعشرين يوماً، في صحن دار الملك، اثنتا عشرة اسطوانة من لبن، تزرع اسطوانة منها براً، واسطوانة شعيراً، وأخرى أرزاً، وأخرى عدساً، وأخرى باقلى، وأخرى دخناً، وأخرى، ذرة وأخرى لوبياء، وأخرى حمصاً، وأخرى سمسماً، وأخرى ماشاً؛ ولم يكن يحصد ذلك إلا بغناء وترنم ولهو.
وكان يوم السادس من يوم النيروز، وإذا حصد بثر في المجلس، ولم يكسر إلى روز مهر من ماه فروردين، وإنما كانوا يزرعون هذه الحبوب للتفاؤل بها، ويقال: أجودها نباتاً، وأشدها استواءً، دليل على جودة نبات ما زرع منها في تلك السنة. فكان الملك يتبرك بالنظر إلى نبات الشعير خاصة، وكان مؤدب الرماة يناول الملك يوم النيروز قوساً وخمس نشابات، ويناول الملك قيمه على دار المملكة أترجه، فكان فيما يغني بين يدي الملك، غناء المخاطبة، وأغاني الربيع، وأغاني يذكر فيها أبناء الجبابرة، وتوصف الأنواء، وأغاني أفرين، والخسرواني، والماذراستاني، والفهليد.
وكان أكثر ما يغني العجم، الفهليد مع أيام كسرى أبرويز، وكان من أهل مرو، وكان من أغانيه مديح الملك، وذكر أيامه ومجالسه وفتوحه، وذلك بمنزلة الشعر في كلام العرب، يصوغ له الألحان، ولا يمضي يوم إلا وله فيه شعر جديد، وضربٌ بديع.
وكان يذكر الأغاني التي يستعطف بها الملك، ويستميحه لمرازبته وقواده، ويستشفع لمذنب، وإن حدثت حادثة، أو ورد خبره كرهوا إنهاءه