بينهم مطروحاً لكل عمل دنيء، للعبودية تارة، ولرعي الإبل أخرى؛ فبينا أنا ذات يوم تعب مكتئب، إذا ضل لنا بعير، فتوجه أخوتي كلهم في بغائه، فلم يقدروا عليه، فأتوا أبي وقالوا: «ابعث فلاناً ينشد لنا هذا البعير» ، فدعاني أبي وقال: «أخرج فانشد هذا البعير» . فقلت: «والله ما أنصفتني ولا بنوك. أما إذا الإبل درت ألبانها، وطارت ركوبها، فأنتم جماعة أهل البيت أربابها، وإذا ندت ضلالها فأنا باغيها» . فقال: «قم، يا لكع، فإني أراه آخر يومك» .

فغدوت مقهوراً، خلق «1» الثياب، حتى أتيت بلاداً لا أنيس بها، فطفقت يومي ذلك أجول في القفر، فلما أمسيت، رفعت لي أبيات، فقصدت أعظم بيت منها، فإذا امرأة جميلة مخيلة للسؤدد والجزالة، فبدأتني بالتحية وقالت: «انزل عن الفرس، وأرح نفسك» . فأتتني بعشاء، فتعشيت، وأقبلت هذه تسخر مني وتقول: «ما رأيت كالعشية أطيب ريحاً منك، ولا أنظف ثوباً، ولا أجمل وجهاً» .

فقلت: «يا هذه دعيني وما أنا فيه، فإني عنك في شغل شاغل» ، فأبت علي وقالت: «هل لك أن تلج على السجف إذا نام الناس» ؟

فأغراني- والله- الشيطان؛ فلما شبعت من القرى، وجاء أبوها وأخوتها، فضجعوا أمام الخيمة، قمت ووكزته برجلي. قالت: «ومن أنت» ؟ قلت:

«الضيف» . قالت: «لا حياك الله، أخرج، عليك لعنة الله» ؛ فعلمت أني لست في شيء من أمرها؛ فوليت راجعاً، فواثبني كلب كأنه السبع لا يطاق، فأراد أكلي، فأنشب أنيابه في مدرعة صوف كانت علي، وجعل يمزقني، فردني القهقرى، وتعذر علي الخلاص، فأهويت أنا والكلب من قبل عقبي في بئر أحسن الله إليّ أنه لا ماء فيه؛ فلما سمعت المرأة الواغية، أتت بحبلٍ فأدلته، وقالت: «إرتق، لعنك الله؛ فو الله لولا أنه يقتص أثري غداً، لوددت أنها قبرك» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015