ومنه مع الشعراء، قال: (استأذنت بنت لعبد الملك بن مروان في الحج فأذن لها، وكتب إلى الحجاج يأمره بالتقدم إلى عمر بن أبي ربيعة أن لا يذكرها في شعره، فلما بلغ عمر مقدمها، لم يكن له همة إلا أن يتهيأ بأجمل ما يقدر عليه من الحلل والثياب. وضربت لها قبة في المسجد الحرام، فكانت تكون فيها نهاراً، فإذا أمست، تحولت إلى منزلها لتنظر إليه وتجلس بازاء القبة، وقد خبر عمر بشأنها، فإذا أرادت الطواف، أمرت جواريها فيسترنها بالمطاريف، فكانت تتطلع إلى عمر كثيراً، وكانت تسأل من دخل عليها عنه، رجاء أن يكون قد قال شيئاً، فلم يفعل، حتى قضت الحج، ورحلت، ونزلت من مكة على أميال، فأقبل راكب من مكة، فسألته: من أين أقبلت؟ قال: من مكة، قالت: عليك وعليّ قرية أنت منها، لعنة الله. قال: ولم يا ابنة عبد الملك؟ قالت: قدمنا مكة فأقمنا أشهراً، فما استطاع الفاسق عمر بن أبي ربيعة أن يزودنا من شعره أبياتاً، كنا نلهو بها في سفرنا هذا. قال: فلعله قد فعل، قالت:
فاذهب إليه واسأله، ولك في كل بيت يأتني به منه عشرة دنانير.
فأقبل الرجل، وأتى عمر بن أبي ربيعة، فأخبره الخبر، فقال له: قد فعلت، ولكن أحب أن تكتم علي. قال: أفعل، ثم أنشده
راع الفؤاد تفرق الأحباب ... يوم الرحيل فهاج لي أطرابي
فظللت مكتئباً أكفكف عبرةً ... سحاً يفيض كوابل الأسراب
لما تنادوا للرحيل وقربوا ... بزل الجمال لطيةٍ وذهاب
كاد الأسى يقضي عليك صبابةً ... والوجه منك لبين إلفك كابي