انصرفا إلى بعض طرقات مكة، وقعدا يتغديان؛ فبينما هما كذلك على طعامهما، إذ وقفت عليهما امرأة جميلة بهية، حسنة شكلة، وعليها برقع، فرفعته عن وجهها، فإذا وجه كالدينار، وذراع كالجمار، فسلمت وقعدت، وجعلت تأكل معهما. قال الفضل: فأعجبني ما رأيت من جمالها وهيئتها، فقلت: «هل لك من بعل» ؟ قالت: «لا» ، قلت: «فهل لك في بعل من أصحاب أمير المؤمنين، حسن الخلق والخلق» ؟ قالت: «وأين هو» ؟ فأشار إلى فرج، فقالت: «جوابك عند فراغنا» ، فلما أكلت قالت للفضل: «تقرأ شيئاً من كتاب الله» ؟ قال: «نعم» ، قالت: «أفتؤمن به» ؟ قال:
«نعم» ، قالت: فإن الله يقول: «ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً» ، فضحك الفضل، ودخل على الرشيد فأخبره فأمر بإحضارها، فلما نظر إليها، أعجب بها، فتزوجها وحملها إلى مدينة السلام.
قال: وحج إسماعيل بن طريح، فوقفت عليه أعرابية جميلة. قال:
فقال لها: «هل لك أن تزوجيني نفسك» ؟ فقالت من غير توقف:
بكى الحسب الزكي بعينٍ غزيرةٍ ... من الحسب المنقوص أن يجمعا معا
وانصرفت. قال العتبي: كنت كثير التزوج، فمررت بامرأة فأعجبتني فأرسلت إليها: «ألك زوج» ؟ قالت: «لا» ، فصرت إليها، فوصفت لها نفسي، وعرفتها موضعي فقالت: «حسبك قد عرفناك» ، فقلت لها:
«زوجيني نفسك» ، فقالت: «نعم ولكن ههنا شيء تحتمله» ، قلت:
«وما هو» ؟ قالت: «بياض في مفرق رأسي» ، قال: فانصرفت، فصاحت بي: «ارجع» ، فرجعت إليها فأسفرت عن رأسها فنظرت إلى وجه حسن، وشعر أسود، فقالت: «إنا كرهنا منك، عافاك الله، ما كرهت منا» وأنشدت:
أرى شيب الرجال من الغواني ... بموضع شيبهن من الرّجال «1»