قيل: إن أول من قال: «لا هنك أنقيت، ولا ماءك أبقيت» ، الضب بن أروى الكلاعي، وذاك أنه خرج من أرضه، فلما سار أياماً، حار في تلك المفاوز التي تعسفها، وتخلف عن أصحابه، وبقي فرداً يعسف فيها ثلاثة أيام، حتى دفع إلى قوم لا يدري من هم. فنزل عليهم، وحدثهم؛ وكان جميلاً، وإن امرأة من أفاضل أولئك، هويته، فأرسلت إليه أن أخطبني، فخطبها، وكانوا لا يزوجون إلا شاعراً أو رجلاً يزجر الطير أو يعرف عيون الماء، فسألوه، فلم يحسن شيئاً من ذلك، فلم يزوجوه؛ فلما رأت المرأة ذلك، زوجته نفسها على كره من قومها؛ فلبث فيهم ما لبث؛ ثم أن رجلا من العرب أغار عليهم في خيل، فاستأصلهم، فتطيروا بضب، وأخرجوه وامرأته، وهي طامث؛ فانطلقا، واحتمل ضب شيئاً من ماء، ومشيا يوم اوليلة إلى الغد، حتى اشتد الحر، وأصابهما عطش شديد، فقالت له:
«ادفع إلي السقاء حتى اغتسل به، فإنا ننتهي إلى الماء، ونستقي.
فاغتسلت بما في السقاء، ولم يقع منها موقعاً، وأتيا العين، فوجداها ناضبةً، وأدركهما العطش، فقال ضب: «لا هنك أنقيت ولا ماءك أبقيت» ، فذهبت مثلاً. ثم استظلا تحت شجرة كبيرة، فأنشأ ضبّ يقول:
تا لله ما ظلةٌ أصاب بها ... سواد قلبي قارع العطب
ظل كئيب الفؤاد مضطرباً ... وتكتسي من غدائر قلب
أن يعرف الماء تحت صم صفاً ... أو يخبر الناس منطق الخطب
أخرجني قومها بأن رحىً ... دارت بشؤم لهم على قطب