بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله، سيدنا محمد، وآله أجمعين.
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، رحمه الله: «إني ربما ألفت الكتاب المحكم المتقن في الدين، والفقه، والرسائل، والسيرة، والخطب، والخراج، والأحكام، وسائر فنون الحكمة، وأنسبه إلى نفسي، فيتواطأ على الطعن فيه جماعة من أهل العلم بالحسد والمركب فيهم، وهم يعرفون براعته وفصاحته؛ وأكثر ما يكون هذا منهم إذا كان الكتاب مؤلفاً لملك معه المقدرة على التقديم، والتأخير، والحط، والرفع، والترهيب، والترغيب، فإنهم يهتاجون عنذ ذلك، اهتياج الإبل المغتلمة. فإن أمكنتهم الحيلة في إسقاط ذلك الكتاب عند السيد الذي ألف له، فهو الذي قصدوه وأرادوه، وإن كان السيد المؤلف فيه الكتاب نحريرا نقاباً، ونقريساً بليغاً، وحاذقاً فطناً، وأعجزتهم الحيلة، سرقوا معاني ذلك الكتاب، وألفوا من أعراضه وحواشيه كتاباً وأهدوه إلى ملك آخر، ومتوا إليه به، وهم قد ذموه وثلبوه لما رأوه منسوباً إلي، وموسوماً بي.
وربما ألفت الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه، فأترجمه باسم غيري، وأحيله على من تقدّمني عصره مثل ابن المقفع والخليل وسلم صاحب بيت الحكمة، ويحيى بن خالد، والعتابي، ومن أشبه هؤلاء من مؤلفي