جاءكم الفهه العيي الذي كان بين لحييه عقله، فقال عبد الله بن جعفر:
«مه، والله لقد رمت صخرة ململمة تنحط عنها السيول، وتقصر دونها الوعول، لا تبلغها السهام، فإياك والحسن إياك، فإنك لا تزال راتعاً في لحم رجل من قريش، ولقد رميت فما برح سهمك، وقدحت، فما أورى زندك» . فسمع الحسن الكلام، فلما أخذ مجلسه قال: «يا معاوية لا يزال عندك عبد يرتع في لحوم الناس، أما ولله لئن شئت ليكونن بيننا ما تتفاقم فيه الأمور، وتحرج منه الصدور» ثم أنشأ يقول:
أتأمر يا معاوي عبد سهم ... بشتمي والملا منا شهود
إذا أخذت مجالسها قريش ... فقد علمت قريش ما تريد
أأنت تظل تشتمني سفاهاً ... لضغن ما يزول ولا يبيد
فهل لك من أب كأبي تسامي ... به من قد تسامي أو تكيد
ولا جدّ كجدّي يابن حرب ... رسول الله إن ذكر الجدود
ولا أم كأمي من قريش ... إذا ما حصل الحسب التليد
فما مثلي تهكم بابن حرب ... ولا مثلي ينهنهه الوعيد
فمهلاً لا تهج منا أموراً ... يشيب لهولها الطفل الوليد
وذكروا أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: «ابعث إلى الحسن بن علي فأمره أن يخطب على المنبر، فلعله يحصر، فيكون في ذلك ما نعيره به» .
فبعث إليه معاوية، فأمره أن يخطب، فصعد المنبر وقد اجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب ابن عم النبي، أنا ابن البشير النذير، السراج المينر، أنا ابن من بعثه الله رحمة للعالمين. أنا ابن من بعث إلى الجن والأنس، أنا ابن مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أول من ينفض رأسه من التراب، أنا ابن أول من يقرع باب الجنة، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة ونصر بالرعب من مسيرة شهر» ، وأمعن في هذا الباب ولم يزل، حتى أظلمت الأرض على معاوية، فقال: «يا حسن قد