فسار البيت حتى سمعه عبد الملك بن مروان فأمر بطلب قائله فأتي به، فلما وقف بين يديه قال: أنت القائل: «ومنا أمير المؤمنين شبيب ... »
قال: لم أقل هكذا يا أمير المؤمنين إنما قلت: ومنا أمير المؤمنين شبيب.
فضحك عبد الملك وأمر بتخليه سبيله، فتخلص بدهائه وفطنته لإزالة الأعراب من الرفع إلى النصب. وزعموا أن عمرو بن معدي كرب هجم في بعض غاراته على شابة جميلة منفردة وأخذها فلما أمعن بها بكت. فقال: ما يبكيك؟ قالت:
أبكي لفراقي بنات عمي هن مثلي في الجمال وأفضل مني خرجت معهن فانقطعنا عن الحي، قال: وأين هن؟ قالت: خلف ذلك الجبل ووددت إذ أخذتني أنك أخذتهن معي فامض إلى الموضع الذي وصفته فمضى إلى هنالك، فما شعر بشيء حتى هجم على فارس شاك في السلاح فعرض عليه المصارعة فصارعه الفارس، ثم عرض عليه ضروباً من المناوشة فغلبه الفارس في كلها. فسأله عمرو عن اسمه فإذا هو ربيعة بن مكرم الكناني فاستنقذ الجارية. وعن عطاء أن مخارق بن عفان ومعن بن زائدة تلقيا رجلاً ببلاد الشرك ومعه جارية لم يريا أحسن منها شباباً وجمالاً، فصاحا به خل عنها، ومعه قوس فرمى بها وهابا الإقدام عليه، ثم عاد ليرمي فانقطعت وتره وسلم الجارية وأسند في جبل كان قريباً منه فابتدراه وأخذا الجارية، وكان في أذنها قرط فيه درة فانتزعاه من أذنها، فقالت: وما قدر هذه لو رأيتما درتين معه في قلنسوته وفي القلنسوة وتر قد أعده ونسيه من الدهش. فلما سمع قول المرأة ذكر الوتر فأخذه وعقده في قوسه، فوليا ليست لهما همة إلا الالتجاء وخليا عن الجارية. وعن الهيثم قال: كان الحجاج حسوداً لا يتم له صنيعة حتى يفسدها فوجه عمارة بن تميم اللخمي إلى عبد الرحمن محمد بن الأشعث فظفر به وصنع ما صنع، ورجع إلى الحجاج بالفتح ولم ير منه ما أحب وكره منافرته، وكان عاقلاً رفيقاً فجعل يرفق به ويقول: أيها الأمير أشرف العرب، أنت من شرفته شرف، ومن وضعته أتضع، وما ينكر ذلك مع رفقك ويمنك ومشورتك ورأيك، وما كان هذا كله إلا بصنع الله وتدبيرك وليس أحد أشكر لبلائك مني ومن ابن الأشعث، وما خطره حتى عزم الحجاج على