وعنه قال: كان الأحوص بن جعفر المخزومي يتغذى في دير اللج في يوم شديد البرد ومعه حمزة بن بيض وسراقة البارقي، فلما كان على ظهر الكوفة وعليه الوبر والخز وعليهما الأطمار قال حمزة لسراقة: أين يذهب بنا في البرد ونحن في أطمار؟ قال: سأكفيكه. فبينما هو يسير إذ دنا منهم راكب مقبل فحرك سراقة دابته نحوه وواقفه ساعة ولحق بالأحوص، فقال له:
ما خبرك الراكب؟ قال: زعم أن خوارج خرجت بالقطقطانة. قال: بعيد.
قال: إن الخوارج تسير في ليلة ثلاثين فرسخاً وأكثر. وكان الأحوص أحد الجبناء فثنى رأس دابته وقال: ردوا طعامنا نتغذى في المنزل. فلما حاذى منزله قال لأصحابه: ادخلوا. ومضى إلى خالد بن عبد الله القسري فقال:
خرجت خارجة بالقطقطانة. فنادى خالد في العسكر فجمعهم ووجه خيلاً تركض نحو اللج لتعرف الخبر فأعلموه أنه لا أصل للخبر. فقال للأحوص:
من أعلمك بهذا؟ قال: سراقة. قال: وأين هو؟ قال: في منزلي، فأرسل إليه من أتاه به. قال: أنت أخبرته عن الخارجة؟ قال: ما فعلت أصلح الله الأمير، قال له الأحوص: أتكذبني بين يدي الأمير، قال خالد: ويحك أصدقني. قال: نعم أخرجنا في هذا البرد وقد ظاهر الخز والوبر ونحن في أطمارنا هذه فأحببت أن أرده، فقال له خالد: ويحك وهذا مما يتلاعب به، وسراقة هذا هو القائل:
قالوا سراقة عنين فقلت لهم ... الله أعلم أني غير عنين
فإن ظننتم بي الشيء الذي زعموا ... فقربوني من بنت ابن ياسين
وذكروا: إن شبيب بن يزيد الخارجي مر بغلام مستنقع في الفرات فقال له: يا غلام أخرج إني أسألك، فعرفه الغلام فقال له: إني أخاف. أفآمن أنا إذا خرجت حتى ألبس ثيابي: قال: نعم، فخرج وقال: والله لا ألبسها اليوم. فضحك شبيب وقال: خدعتني ورب الكعبة ووكل به رجلاً من أصحابه يحفظه إلا يصيبه أحد بمكروه. قال: وكان رجل من الخوارج يقول:
فمنا يزيد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب