وضده، قال بعض حكماء الفلاسفة: اطلبوا الرزق في البعد فإنكم إن لم تكسبوا مالاً غنمتم عقلاً كثيراً، وقال آخر: لا يألف الوطن إلّا ضيق العطن. وقيل: لا توحشنك الغربة إذا آنستك النعمة. وقيل: الفقير في الأهل مصروم والغني في الغربة موصول. وقال: لا تستوحش من الغربة إذا أنست مصورما. وقيل: أوحش قومك ما كان في إيحاشهم أنسك واهجر وطنك ما نبت عنه نفسك. وأنشد:
لا يمنعنك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان
تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أهلاً بأهل وجيراناً بجيران
وقال آخر:
نبت بك الدار فسر آمنا ... فللفتى حيث انتهى دار
وفي معناه (الدعاء إلى المسافر) بالبارح الأشأم والسائح الأعضب والصرد الأنكد والسفر الأبعد. لا استمرت به مطيته ولا استتبت به أنيته ولا تراخت منيته. بنحس مستمر وعيش مر. لا قرى إذا استضاف ولا أمن إذا خاف. ويقال إن علياً عليه السلام لما اتصل به مسير معاوية قال: لا أرشد الله قائده ولا أسعد رائده ولا أصاب غيثاً ولا سار إلا ريثاً ولا رافق إلا ليثاً أبعده الله وأسحقه وأوقد على أثره وأحرقه لا حط الله رحله ولا كشف محله ولا بشر به أهله، لا زكى له مطلب ولا رحب له مذهب ولا يسر له مراما، فلا فرج الله غمه ولا سرى همه، لا سقاه الله ماء ولا حل عقده ولا أروى زنده، جعله الله سفر الفراق وعصى الشقاق وأنشد:
بأنكد طائر وبشر فال ... لأبعد غاية وأخس حال
بحد السد حيث يكون مني ... كما بين الجنوب إلى الشمال
غريباً تمتطي قدميك دهرا ... على خوف تحن إلى العيال
وقال آخر:
إذا استقلت بك الركاب ... فحيث لا درّت السحاب