فتحرك الآخر فصار قدامه فلا نزال كذلك طول الليل فتصبح وقد صارت من الموضع الذي باتت فيه على ثلاثة أميال أو أكثر جبناً. وقيل: هو أجبن من صافر وهو طائر يتعلق برجليه وينكس رأسه ثم يثفر ليلته كلها خوفاً من أن ينام فيؤخذ. وقيل أيضاً: هو أجبن من المنزوف ضرطاً. وكان من حديثه أن نسوة من العرب لم يكن لهن رجل فتزوجت واحدة منهن برجل كان ينام إلى الضحى فإذا انتبه ضربنه وقلن له قم فاصطبح ويقول: لو لعادية نبتهتنّي- أي خيل عادية عليكن مغيرة فأدخلها عنكن- فلما رأين ذلك فرحن وقلن: إن صاحبنا لشجاع ثم اقبلن عليه وقلن: تعالين نجربه فأتينه كما كن يأتينه فأيقظنه فقال: لو لعادية نبتهتنّني فقلن له: نواصي الخيل معك، فجعل يقول: الخيل الخيل ويضرط حتى مات فضرب به المثل.
وقيل لجبان: انهزمت فغضب الأمير عليك، قال: ليغضب الأمير وأنا حي أحب إلي من أن يرضى وأنا ميت. وقيل لبعض المجان: ما لك لا تغزو؟ قال: والله إني لأبغض الموت على فراشي فكيف أمر إليه ركضاً؟
قال: وقال الحجاج لحميد الأرقط وقد أنشده قصيدة يصف فيها الحرب: يا حميد هل قاتلت قط؟ قال: لا أيها الأمير إلا في النوم. قال: وكيف كانت وقعتك؟ قال: انتبهت وأنا منهزم. ومما قيل في ذلك من الشعر:
ظلت تشجعني هند بتضليل ... وللشجاعة خطب غير مجهول
هاتي شجاعاً لغير القتل مصرعه ... أوجدك ألف جبان غير مقتول
الحرب توسع من يصلى بها حربا ... يتم العيال وإثكال المثاكيل
اسم الوغى اشتق من غوغاء يحربها ... يغدون للموت كالطير الأبابيل
والله لو أن جبريلاً تكفل لي ... بالنصر ما خاطرت نفسي لجبريل
هل غير أن يعذروني أنني فشل ... فكل هذا نعم فأغروا بتعزيلي
إن أعتذر من فراري في الوغى أبداً ... كان اعتذاري رديداً غير مقبول
اسمع أخبرك عن بأسي بذي سلب ... خلاف بأس المساعير البهاليل
لما بدت منهم نحوي عشوزنة ... شماء تشرع في عرضي وفي طولي