(فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِمَكْتُوبَةٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَمَسْحِ الْخُفِّ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَصْلُحُ لِلْمُبْدَلِ فَصَلُحَ لِلْبَدَلِ كَمَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا: إلَى قَوْله تَعَالَى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ الْقِيَامِ خَرَجَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِجْمَاعِ بَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى مقتضاه ولانه يتيمم وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّيَمُّمِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ
مَاءٌ فَإِنْ قَالُوا يَنْتَقِضُ بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مُسْتَغْنٍ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ فِي أَوَاخِرِ الْوَقْتِ قُلْنَا بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِحْرَازِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَمْ تَصِحَّ قَبْلَ الْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَقَدْ وَافَقُوا عَلَيْهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ ثَبَتَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَمَنْ جَوَّزَهُ قَبْلَهُ فَقَدْ حَاوَلَ إثْبَاتَ التَّيَمُّمِ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ فِي مَعْنَى مَا بَعْدَهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ ضَرُورَةٌ فَاخْتَصَّ بِحَالِ الضَّرُورَةِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّهُ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ فَلَا يُضَيَّقُ بِاشْتِرَاطِ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ لِلتَّخْفِيفِ جَوَازُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلِ وَالتَّيَمُّمُ ضَرُورَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالْجَوَابُ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهَا طَهَارَةُ رَفَاهِيَةٍ فَالْتَحَقَتْ بِالْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُمْ يَصْلُحُ لِلْمُبْدَلِ فَصَلُحَ لِلْبَدَلِ يَنْتَقِضُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِعِتْقِ الْكَفَّارَةِ دُونَ بَدَلِهَا وَهُوَ الصَّوْمُ وَيَنْتَقِضُ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِنَحْرِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ دُونَ بَدَلِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا نُنَاظِرُ الْحَنَفِيَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُمْ خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ فِيهَا وَاَللَّهُ أعلم
* (فرع)
ذكر المصنف أبا بكر ابن الْحَدَّادِ وَهَذَا أَوَّلُ مَوْضِعِ ذِكْرِهِ
* وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ نُظَّارِ أَصْحَابِنَا وَمُتَقَدَّمِيهِمْ فِي الْعَصْرِ وَالْمَرْتَبَةِ وَالتَّدْقِيقِ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَكَانَ عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْمَذْهَبِ وَانْتَهَتْ إلَيْهِ إمَامَةُ أَهْلِ مِصْرَ فِي زمنه توفى سنة خمس وأربعين وثلثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله
* [ولا يجوز التيمم بعد دخول الوقت الا لعادم الماء أو الخائف من استعماله فاما الواجد فلا يجوز