ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة يشيرون إليها، وما رأيت على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها، ويقوم بزيادة كل لفظة زاد في الخبر ثقة، حتى كان السنن كأنها نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمة الله عليه فقط، فإذا كان الثقة الحافظ لم يكن بفقيه وحدث من حفظه ربما قلب المتن وغير المعنى حتى، يذهب الخبر عن معنى ما جاء فيه، ويقلب إلى شيء ليس منه وهو لا يعلم، فلا يجوز عندي الاحتجاج بخبر من هذا نعته إلا أن يحدث من كتاب أو يوافق الثقات فيما يرويه من متون الأخبار.
الفقيه إذا حدث من حفظه وهو ثقة في روايته، لا يجوز عندي الاحتجاج بخبره، لأنه إذا حدث من حفظه فالغالب عليه حفظ المتون دون الأسانيد، وهكذا رأينا أكثر من جالسناه من أهل الفقه كانوا إذا حفظوا الخبر لا يحفظون إلا متنه، وإذا ذكروه أول أسانيدهم يكون قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يذكرون بينهم وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدًا، فإذا حدث الثقة من حفظه ربما صحف الأسماء وأقلب الإسناد، ورفع الموقوف وأوقف المرسل وهو لا يعلم لقلة عنايته به، وأتى بالمتن على وجهه، فلا يجوز الاحتجاج بروايته إلَّا من كتاب أو يوافق الثقات في الأسانيد، وإنما احترزنا من هذين الجنسين، لأنا نقبل الزيادة في الألفاظ إذا كانت من الثقات، وهذه مسألة طويلة غير هذا الموضع بها أشبه.
أقوام من المتأخرين قد ظهروا يسوقون الأخبار، فإذا كان بين الثقتين ضعيف واحتمل أن يكون الثقتان رأى أحدهما الآخر أسقطوا الضعيف من بينهما حتى يتصل الخبر، فإذا سمع المستمع خبرً [ا] رواته ثقات اعتمد عليه وتوهم أنه صحيح كبقية بن الوليد قد رأى عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وشعبه بن الحجاج وسمع منهم، ثم سمع عن أقوام ضعفاء عنهم، فيروي