ميزوا بين ما انفرد الثوري عن فراس، وبين ما انفرد شيبان عن فراس، حتى إذا صغرت الفاء من سفيان في الكتابة وأشبهت شيبان، ميزوا وقالوا: هذا في حديث سفيان لا شيبان، وإذا عظمت الياء من شيبان حتى صار شبيهًا بسفيان، قالوا: هذا من حديث شيبان لا سفيان، وميزوا بين ما روى عبيد الله بن موسى عن شيبان عن جابر، وبين ما روى عن سفيان عن جابر في أشباه هذا مما يكثر ذكره، ومن كانت همته في هذا الشأن ومواظبته على هذه الصناعة بحسب ما ذكرت لم ينكر لواحد منهم أن يخرج الضعيف ويقدح في الواهي من الرواة والمحدثين، ومن لم يطلب العلم من مظانه، ولا دار في الحقيقة على أطرافه يَعِيبُهُمْ إذا قالوا: فلان ضعيف وفلان ليس بشيء لجهلهم بصناعة الأخبار، وقلة معرفتهم بالطرق للآثار، ولو أنهم وفقوا لإصابة الحق علموا أن السنة تصرح بإباحة ما ذهبوا إليه من الإطلاق على من صح عندهم الجرح والقدح.
أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري، قال: أخبرنا أحمد بن أبي بكر الزهري، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب بالشام، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال لها: "لَيْسَ لَكِ عَلَيهِ نَفَقَةٌ" وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: "تِلْكَ امْرأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي فَاعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإنَّهُ رَجُلٌ أعْمَى، فَإِذَا حَلَلْتِ فَائْذَنِينِي" قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَصَعْلُوكٌ لَا مَال لَهُ، انكَحِي أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ" فقالت: فكرهته، ثم قال: "انْكَحي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ" فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا، واغتطت به (?).