استحباب معرفة الضعفاء من المحدثين، إذ لا يتهيأ للشاهد أن يبلغ الغائب ما شهد إلا بعد المعرفة بصحة ما يؤدي إلى من بعده، وإنه متى ما أدى إلى من بعده ما لم يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكأنه لم يؤد عنه شيئًا، وأن من لم يعتبر [يميز]، الثقات من الضعفاء ولم يحط علمه بأسبابهم [بأنسابهم] لا يتهيأ له تخليص الصحيح من بين السقيم، فإذا وقف على أسمائهم وأنسابهم والأسباب التي أدت إلى نفي الاحتجاج بهم تنكب حديثهم، ولزم السنن الصحيحة، فيرويها حينئذ، حتى يكون داخلًا في جملة من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يبلغ الشاهد منهم الغائب، جعلنا الله من المتبعين لسنته والذابين الكذب عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، إنه رؤوف رحيم.
حدثنا الفضل بن الحباب بالبصرة، قال: حدثنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما الغيبة؟ قال: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قيل: أفرأيت إن كان فيه ما نقول؟ قال: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُن فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" (?).
قال أبو حاتم: احتج بهذا الخبر جماعة ممن ليس الحديث صناعتهم، وزعموا أن قول أئمتنا: فلان ليس بشيء، وفلان ضعيف، وما يشبه هذا من المقال غيبة إن كان فيهم ما قيل، وإلا فهو بهتان عظيم.
ولو تملق قائل هذا إلى باريه في الخلوة، وسأله التوفيق لإصابة الحق لكان أولى به من الخوض فيه، إذ ليس من صناعته، لأن هذا لس بالغيبة المنهي عنها، وذاك [ذلك] أن المسلمين قاطبة لس بينهم خلاف أن الخبر لا يجب أن يُسْمَعَ عند الاحتجاج إلا من الصدوق العاقل، فكان من [في] إجماعهم هذا دليل على إباحة جرح من لم يكن بصدوق في الرواية، على