قال أبو حاتم: في هذا الخبر دليل على أن رفع العلم الذي ذكرنا قبل ونقصه عند تقارب الزمان لا يكون برفع يرفع من الأرض، ولكنه بموت العلماء الذين يحسنون علم السنن على حسب ما ذكرنا فصولها حتى لا يبقى منهم إلا الواحد بعد الواحد، ثم يتخذ عند ذلك الناس رؤساء لا يحسنون ذلك، فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون، نعوذ بالله من حالة تقربنا إلى سخطه وأليم عقابه.
وإنما نوينا في بث ما خرجنا من هذه الكتب التي لم يمعن أئمتنا الكلام فيها، ولا فرعوا الفروع عليه اعتمادًا منا على اكتساب الذخر في الآجل، لأنه من خير ما يخلف المرء بعده بحكم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
حدثنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا آبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الوهاب [الثقفي]، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ استَدَارَ كَهَيْأَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ، مِنهَا أَرْبَعَة حُرُم، ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات، ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعبَانَ- ثم قال: - "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: " [أ] لَيْسَ ذُو [ذَا]، الْحِجَّةِ؟ " قلنا: بلى، قال: "أَيُّ بَلدٍ هَذَا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أَلَيس الْبَلْدَةَ الحَرَامَ؟ " قلنا: نعم، قال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَموَالكمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُم حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَيَسأَلُكُم عَن أَعمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعضٍ، ألَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِن بَعْضِ مَنْ يَسْمَعُهُ، أَلَا هَل بَلَّغْتُ؟ أَلَا هَلْ بَلَّغتُ؟ " (?).
قال أبو حاتم: في قوله: "أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنكُمُ الْغَائِبَ" دليل على