خلاف الظاهر. وصفاتهم هذه في التوراة والإنجيل كفيلة بصلاح الدنيا والآخرة وكفيلة بالقوة الروحية والقوة الجسمية، وكل ذلك من آثار العمل بنظام السماء الذي نَطمه خالق السماوات والأرض وأنزله على لسان سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه، فبين تعالى من صفاتهم الكريمة أنهم يشتدون في الحال المناسبة للشدة ويلينون في الحال المناسبة لِلِّين لأن الشدة في محل اللين حُمْق وخَرَق واللين في محل الشدة ضعف وخَوَر. قال الشاعر:
إذا قيل حلم قل فللحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل
وقال آخر:
وما حملت من ناقةٍ فوق رحلها ... أشد على أعدائه من محمد
وقال آخر:
وما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه ... وأمضى بحد المشرفيِّ المهند
وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} الآية [آل عمران / 159].
وقد أَثنى الله على قوم مؤمنين بهذا الثناء الجميل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ... } الآية [المائدة / 54]. وقد أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بذلك ليشرع ذلك على لسانه بقوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)}