وأما الثاني الذي هو المثل العليا في أخلاق العاملين بِمُثلُ التشريع العليا: فقد دل الوحي على أن العامل بالقرآن تكون أَخلاقه مثالًا أعلى، قال تعالى في نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4]، ولما سُئِلت عائشة رضي الله عنها عن خُلُقه - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكر الله أنه عظيم قالت: "كان خلقه القرآن" فدل ذلك على أن العامل بالقرآن يكون خُلُقه مثلًا أعلى.
وقد بَيَّن تعالى في كتابه كثيِرًا من الآثار الحميدة الناشئة عن العمل بما أنزل الله على نبيه حتى أنه ضرَب لذلك الأمثال في الكتب السابقة، فبين أن مثل العاملين بالقرآن في التوراة أن صفتهم الكريمة التي وُصِفوا بها فيها أنهم أشداء على الكفار بالله رحماء بينهم، ركوعهم وسجودهم كثير في صلاتهم وابتغاؤهم فضل ربهم ورضوانه، وأن آثار السجود ظاهرة علاماتها في وجوههم، وأن مثلهم في الإنجيل في كثرتهم بعد القِلَّة وقوتهم بعد الضعف وشدة مؤازرة بعضهم لبعض كمثل الزرع يَنْبت قليلًا ضعيفًا ثم يقويه النابت من شطئه فيستغلظ ويستوي على سوقه حتى يكون كثيرًا قويًّا متماسكًا. قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} ثم قال تعالى: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح / 29].
وقال بعض أهل العلم: إن المثلين في التوراة والإنجيل معًا، وهو