وقد عاب بعض من يتهم نفسه بالمعرفة قول أبي نواس في قصيدته السينية التي أولها:
نبه نديمك قد نعس
فقال من جملتها:
ورث الخلافة خامسًا ... وبخير سادسهم سدس1
قال: وفي ذكر السادس نظر، ويا عجبا له مع معرفته بالشعر كيف ذهب عليه هذا الموضع? أما قرأ سورة الكهف، يريد قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} 2 وهذا ليس بشيء؛ لأنه قد ورد في القرآن الكريم ما ينقضه، وهو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} 3.
ومما عبته على البحتري قوله في مدح الفتح بن خاقان في قصيدته المشهورة عند لقائه الأسد التي مطلعها:
أجدك ما ينفك يسري لزينبا
فقال:
شهدت لقد أنصفته حين تنبري ... له مصلتا عضبا من البيض مقضبا
فلم أر ضرغامين أصدق منكما ... عراكا إذا الهيابة النكس كذبا4
قوله: "إذا الهيابة النكس" تفريط في المدح، بل كان الأولى أن يقول: إذا البطل كذب، وإلا فأي مدح في إقدام المقدم في الموضع الذي يفر منه الجبان?