ولما جرح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الجراحة التي مات بها اجتمع إليه الناس، فجاءه شاب من الأنصار وقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله، لك من صحبة رسول الله وقدم في الإعلام ما علمت، ووليت فعدلت، ثم شهادة.
وهذا كلام سديد قد حوى المعنى المقصود، وأتى به في أوجز لفظ وأحسنه، ومع ما فيه من الإيجاز فإنه مستغرب، وسبب استغرابه أنه جعل المساءة بشرى، وأخرجها مخرج المسرة، وتلطف في ذلك فأبلغ، ولو أراد الكاتب البليغ والخطيب المصقع، أن يأتي بذلك على هذا الوجه لأعوزه.
ومن هذا النمط ما كتبه طاهر بن الحسين1 إلى المأمون2 عند لقائه "علي بن" عيسى بن ماهان3 وهزمه إياه وقتله، فكتب إليه: "كتابي إلى أمير المؤمنين ورأس "علي بن" عيسى بن ماهان3 بين يدي، وخاتمه في يدي، وعسكره مصرف تحت أمري، والسلام"4.
وهذا من الكتب المختصرة التي حوت الغرض المطول، وما يكتب في هذا المقام مثله.