يريدون: ليل طويل، وإنما حذفت الصفة في هذا الموضع لما دل من الحال عليه، وذاك أنه يحسن في كلام القائل لذلك من التصريح، والتطويح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل، وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وهو أن يكون في مدح إنسان، والثناء عليه فتقول: "كان والله رجلا" أي: رجلا فاضلا، أو شجاعا أو كريما، أو ما جرى هذا المجرى من الصفات، وكذلك تقول: "سألناه فوجدناه إنسانا" أي: إنسانا سمحا، أو جوادا، أو ما أشبهه، فعلى هذا ونحوه تحذف الصفة، فأما إن عريت عن الدلالة عليها من اللفظ أو الحال، فإن حذفها لا يجوز.

وقد تأملت حذفها فوجدته لا يسوغ إلا في صفة تقدمها ما يدل عليها، أو تأخر عنها، أو فهم ذلك من شيء خارج عنها.

أما الصفة التي تقدمها ما يدل عليها، فقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} 1، فحذف الصفة: أي كان يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا، ويدل على المحذوف قوله: "فأردت أن أعيبها"، فإن عيبه إياها لم يخرجها عن كونها سفينة، وإنما المأخوذ هو الصحيح دون المعيب، فحذفت الصفة ههنا؛ لأنه تقدمها ما يدل عليها.

وأما التي تأخر عنها ما يدل عليها فقول بعض شعراء الحماسة2:

كل امرئ ستئيم من ... هـ العرس أو منها يئيم3

طور بواسطة نورين ميديا © 2015