معنى آخر وهو أن هذا الجود قد أمن عليه الآفات العارضة لغيره من المن، والمطل والاعتذار، وغير ذلك إذ التمائم لا تقطع إلا عمن أمنت عليه المخاوف.
على هذا النهج ورد قول أبي الطيب المتنبي في قصيدة يمدح به ابن العميد في النوروز1، ومن عادة الفرس في ذلك اليوم حمل الهدايا إلى ملوكهم، فقال في آخر القصيدة:
كثر الفكر كيف تهدي كما أه ... دت إلى ربها المليك عباده2
والذي عندنا من المال والخيل ... فمنه هباته وقياده
فبعثنا بأربعين مهارا ... كل مهر ميدانه إنشاده3
عدد عشته يرى الجسم فيه ... أربا لا يراه فيما يزاده4
فارتبطها فإن قلبًا نماها ... مربط تسبق الجياد جياده
وهذا من إحسان أبي الطيب المعروف، وهو رجوع عن خطاب الغائب إلى الحاضر، واحتج أبو الطيب عن تخصيص أبياته بالأربعين دون غيرها من العدد بحجة غريبة، وهي أنه جعلها كعدد السنين التي يرى الإنسان فيها من القوة، والشباب وقضاء الأوطار ما لا يراه في الزيادة عليها، فاعتذر بألطف اعتذار في أنه لم يزد القصيدة على هذه العدة، وهذا حسن غريب.