فقد أكلوا منها الغوارب بالسرى ... وصارت لهم أشباحهم كالغوارب1

يصرف مسراها جذيل مشارق ... إذا آبه هم عذيق مغارب2

يرى بالكعاب الرود طلعة ثائر ... وبالعرمس الوجناء غرة آئب3

كأن بها ضغنا على كل جانب ... من الأرض أو شوقا إلى كل جانب4

إذا العيس لاقت بي أبا دلف فقد ... تقطع ما بيني وبين النوائب5

هنالك تلقى الجود من حيث قطعت ... تمائمه والمجد مرخى الذوائب6

ألا ترى أنه قال في الأول: "يصرف مسراها" مخاطبة للغائب، ثم قال بعد ذلك: "إذا العيس لاقت بي" مخاطبا نفسه، وهي هذا من الفائدة أنه لما صار إلى مشافهة للممدوح، والتصريح باسمه خاطب عند ذلك نفسه مبشرًا لها بالبعد عن المكروه، والقرب من المحبوب، ثم جاء بالبيت الذي يليه معدولًا به عن خطاب نفسه إلى خطاب غيره، وهو أيضًا خطاب لحاضر، فقال: "هنالك نلقى الجود"، والفائدة بذلك أنه يخبر غيره بما شهده، كأنه يصف له جود الممدوح، وما لاقاه منه، إشادة بذكره، وتنويها باسمه، وحملا لغيره على قصده، وفي صفته جود الممدوح بتلك الصفة الغريبة البليغة، وهي قوله: "حيث قطعت تمائمه" ما يقتضي له الرجوع إلى خطاب الحاضر، والمراد بذلك أن محل الممدوح هو مألف الجود، ومنشؤه ووطنه، وقد يراد به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015