ذو الرمة القصة في ذلك، فشبه كثبان الأنقاء بأعجاز النساء، وإنما فعل ذلك مبالغة: أي قد ثبت هذا الموضع وهذا المعنى لأعجاز النساء، وصار كأنه الأصل، حتى شبهت به كثبان الأنقاء، وعلى نحو من هذا جاء قول البحتري1:

في طلعة البدر شيء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تثنيها2

وكذلك ورد قول عبد الله بن المعتز في قصيدته المشهورة التي أولها:

سقى المطيرة ذات الطل والشجر3

فقال في تشبيه الهلال:

ولاح ضوء قمير كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدت من الظفر

ولما شاع ذلك في كلام العرب، واتسع صار كأنه هو الأصل، وهو موضع من علم البيان حسن الموقع، لطيف المأخذ.

وهذا قد ذكره أبو الفتح بن جني في كتاب الخصائص، وأورده هكذا مهملًا.

ولما نظرت أنا في ذلك، وأنعمت نظري فيه، تبين لي ما أذكره، وهو: أنه قد تقرر في أصل الفائدة المستنتجة من التشبيه أن يشبه الشيء بما يطلق عليه لفظة "أفعل": أي يشبه بما هو أبين وأوضح، أو بما هو أحسن منه أو أقبح، وكذلك يشبه الأقل بالأكثر، والأدنى بالأعلى.

وهذا الموضع لا ينقض هذه القاعدة؛ لأن الذي قدمناه ذكره مطرد في بابه، وعليه مدار الاستعمال، وهذا غير مطرد، وإنما يحسن في عكس المعنى المتعارف، وذاك أن تجعل المشبه به مشبهًا، والمشبه مشبهًا به، ولا يحسن في غير ذلك مما ليس بمتعارف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015