ومع هذا فلا ينبغي لصاحب هذه الصناعة من النظم والنثر أن يهمل من علم العربية ما يخفى عليه بإهماله اللحن الخفي، فإن اللحن الظاهر قد كثرت مفاوضات الناس فيه حتى صار يعلمه غير النحوي، ولا شك أن قلة المبالاة بالأمر, واستشعار القدرة عليه, توقع صاحبه فيما لا يشعر أنه وقع فيه، فيجهل بما يكون عالمًا به. ألا ترى أن أبا نواس1 كان معدودًا في طبقات العلماء مع تقدمه في طبقات الشعراء، وقد غلط فيما لا يغلط مثله فيه، فقال في صفة الخمر:
كأن صَغرَى وكُبَرى من فواقعها ... حصباء درٍّ على أرض من الذهب2
وهذا لا يخفى على مثل أبي نواس، فإنه من ظواهر علم العربية، وليس من غوامضه في شيء؛ لأنه أمر نقلي يحمل ناقله فيه على النقل من غير تصرف، وقول أبي نواس "صغرى" "وكبرى" غير جائز، فإن فعلى أفعل لا يجوز حذف الألف واللام منها، وإنما يجوز حذفها من فعلى التي لا أفعل لها، نحو: "حبْلَى"، إلّا أن تكون فُعْلَى أَفْعَلَ مضافة، وههنا قد عريت عن الإضافة وعن الألف واللام، فانظر كيف وقع أبو نواس في مثل هذا الموضع مع قربه وسهولته.
وقد غلط أبو تمام3 في قوله: