التصريفيّ، وتكليف النحوي الجاهل بعلم التصريف معرفة ذلك كتكليفه علم ما لا يعلمه، فثبت بما ذكرناه أنه يحتاج إلى علم التصريف، لئلَّا يغلط في مثل هذا.

ومن العجب أن يقال: إنه لا يحتاج إلى معرفة التصريف، ألم تعلم أن نافع بن أبي نعيم1، -وهو من أكبر القراء السبعة قدرًا، وأفخمهم شأنًا- قال في "معايش2" "معائش"، بالهمز؟ ولم يعلم الأصل في ذلك، فأوخذ عليه، وعيب من أجله ومن جملة ما عابه أبو عثمان المازني3، فقال في كتابه في التصريف: إن نافعًا لم يدر ما العربية، وكثيرًا ما يقع أولو العلم في مثل هذه المواضع، فكيف الجهال الذين لا معرفة لهم بها ولا اطلاع لهم عليها? وإذا علم حقيقة الأمر في ذلك لم يغلط فيما يوجب قدحًا ولا طعنًا، وهذه لفظة "معايش" لا يجوز همزها بإجماعٍ من علماء العربية؛ لأن الياء فيها ليست مبدلة من همزة، وإنما الياء التي تبدل من الهمزة في هذا الموضع تكون بعد ألف الجمع المانع من الصرف، ويكون بعدها حرف واحد، ولا تكون عينًا، نحو: "سفائن"، وفي هذا الموضع غلط نافع -رحمة الله عليه؛ لأنه لا شك اعتقد أن "معيشة" بوزن فعيلة, وجمع فعيلة هو على فعائل، ولم ينظر إلى أن الأصل في "معيشة" "مَعْيِشَة" على وزن مَفْعِلَة، وذلك لأنَّ أصل هذه الكلمة من "عاش" التي أصلها "عيش" على وزن فعل، ويلزم مضارع فعل المعتل العين "يَفْعِلُ" لتصح الياء، نحو: "يَعْيَش"، ثم تنقل حركة العين إلى الفاء فتصير "يعيش"، ثم يبنى من يعيش مفعول, فيقال: "معيوش به"، كما يقال: "مسيور به"، ثم يخفف ذلك بحذف الواو، فيقال: "معيش به" كما يقال مسير به، ثم تؤنث هذه اللفظة فتصير "معيشة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015