وهذان البيتان من أبيات المعاني المبتدعة، وعلى أثرهما مشى الشعراء.
وكذلك ورد لبعضهم في شعر الحماسة1:
تركت ضأني تود الذئب راعيها ... وأنها لا تراني آخر الأبد
الذئب يطرقها في الدهر واحدةً ... وكل يومٍ تراني مديةٌ بيدي
وكذلك ورد قول الآخر:
قومٌ إذا ما جنى جانيهم أمنوا ... للؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا2
وكم للعرب من هذه المعاني التي سبقوا إليها.
ومن أدل الدليل على فساد ما ذهب إليه3 من أن المحدثين هم المختصون بابتداع المعاني، أن أول من بكى على الديار في شعره رجل يقال له: ابن حزام، وكان هو المبتدئ لهذا المعنى أولًا، وقد ذكره امرؤ القيس في شعره فقال4:
عوجًا على الطلل المحيل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن حذام5
وقد أجمع نقلة الأشعار أن لامرئ القيس في صفات الفرس أشياء كثيرة لم يسبق إليها، ولا قيلت من قبله.
ويكفي من هذا كله ما قدمت القول فيه، وهو أن العرب السابقون بالشعر، وزمانهم هو الأول، فكيف يقال: إن المتأخرين هم السابقون إلى المعاني?!
وفي هذه الأمثلة التي أوردتها كفاية في نقض ما ذكره.