وكذلك ورد قوله في الخمر أيضًا1:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلى ولم تنم
فاسقني الخمر التي اختمرت ... بخمار الشيب في الرحم
وهذا معنى مخترع، لم يسبق إليه، وهو دقيق يكاد لدقته أن يلتحق بالمعاني التي تستخرج من غير شاهد حال متصور.
وبلغني أنه اختلف في هذا المعنى بحضرة الرشيد هارون -رحمه الله- فقيل: إنه يريد بخمار الشيب في الرحم أن الخمر تكون في جوانبها ذات زبد أبيض على وجهها، فقال الأصمعي2: إن أبا نواس ألطف خاطرًا من هذا، وأسد غرضًا فاسألوه، فأحضر وسئل، فقال: إن الكرم أول ما يجري فيه الماء يخرج شبيهًا بالقصنة، وهي أصل العنقود، فقال الأصمعي: ألم أقل لكم إن الرجل ألطف خاطرًا، وأسد غرضًا!؟.
وقد جاء لابن حمديس الصقلي3 في الهلال لآخر الشهر ما لم يأت به غيره، وهو من الحسن واللطافة في الغاية القصوى، وذلك قوله:
كأنما أدهم الظلماء حين نجا ... من أشهب الصبح ألقى نعل حافره
وهذا حكاية حال مشاهدة بالبصر، إلا أنه أبدع في التشبيه.
وأمثال هذا كثيرة في أقوال المجيدين من الشعراء.
وجملة الأمر في ذلك أن الشاعر، أو الكاتب ينظر إلى الحال الحاضرة، ثم يستنبط لها