القسم اللفظيّ منها الذي أنا بصدد ذكره ههنا فأقول: إني تأمَّلت بالاستقراء من الأشعار قديمها ومحدثها، ومن النظر في حقيقتها نفسها، فوجدتها تنقسم إلى خمسة أقسام:
الأول منها: [ما يختص بالأدوات]
يختص بأدوات الكلام نحو: من، وإلى، وعن، وعلى، وأشباهها، فإن منها ما يسهل النطق به إذا ورد مع أخواته, ومنها ما لا يسهل، بل يرد ثقيلًا على اللسان، ولكلِّ موضع يخصه من السبك.
فمما جاء منه قول أبي تمام:
إلى خالدٍ راحت بنا أرحبيَّةٌ ... مرافقها مِنْ عَنْ كراكرها نكب1
فقوله: "مِنْ عَنْ كراكرها" من الكلام المتعاظل الذي يثقل النطق به.
على أنه قد وردت هاتان اللفظتان، وهما "من" و"عن"، في موضع آخر، فلم يثقل النطق بهما، كقول القائل: "مِنْ عَنْ يمين الطريق"، والسبب في ذلك أنهما وردتا في بيت أبي تمام مضافتين إلى لفظة "الكراكر"، فثقلت منهما، وجعلتهما مكروهتين كما ترى، وإلّا فقد وردتا في شعر قطري بن الفجاءة2 فكانتا خفيفتين، كقوله:
ولقد أراني للرماح دريئةً ... من عن يميني مرةً وأمامي3
والأصل في ذلك راجع إلى السبك، فإذا سبكت هاتان اللفظتان أو ما يجري مجراهما مع ألفاظ تسهل منهما, لم يكن بهما من ثِقَل، كما جاءتا في بيت قطريّ، وإذا سبكتا مع ألفاظ تثقل منهما جاءتا كما جاءتا في بيت أبي تمام.