وكذلك قوله أيضًا:

منع الحياة من الرجال ونفعها ... حدقٌ تقلبها النساء مِرَاض

وكأنَّ أفئدة الرجال إذا رأوا ... حَدَقَ النِّساء لنبلها أغراض

وإذا شئت أن تعلم مقادير الكلام، وكان لك ذوق صحيح فانظر إلى هذا العربيّ في كلامه السهل الذي كأنه ماء جارٍ، وانظر إلى ما أوردته لأبي العلاء المعرّي، فإن أثر الكلفة عليه باد ظاهر.

وممن قصَّد من العرب قصيدة كله من اللزوم كُثَيِّر عزَّة، وهي القصيدة التي أولها:

خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم احللا حيث حلَّت1

وهذه القصيدة تزيد على عشرين بيتًا، وهي مع ذلك سهلة لينة، تكاد تترقرق من لينها وسهولتها، وليس عليها من أثر الكلفة شيء، ولولا خوف الإطالة لأوردتها بجملتها.

وقد ذكر بعضهم من هذا النوع ما ورد في أبيات الحماسة2 وهو:

وفيشةٍ ليست كهذي الفيش ... قد ملئت من ترف وطيش3

إذا بدت قلت أمير الجيش ... من ذاقها يعرف طعم العيش

وهذا ليس من باب اللزوم؛ لأنَّ اللزوم هو أن يلتزم الناظم والناثر ما لا يلزمه، كقولنا: "شرق"، و"فرق"، مثلًا، فإنه لو قيل بدلًا من ذلك "شرق" و"حنق" لجاز ذلك.

وفي هذه الأبيات لا يقع الأمر كذلك؛ لأنَّه لو قيل: "طيش" و"عرش" لما جاز, وهذا يقال له الردف في الشعر وهو الياء والواو قبل حرف الرويّ، وإذا جيء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015