النوع الرابع: في لزوم ما لا يلزم

وهو من أشق هذه الصناعة مذهبًا، وأبعدها مسلكًا، وذاك لأنَّ مؤلفه يلتزم ما لا يلزمه، فإن اللازم في هذا الموضع وما جرى مجراه, إنما هو السجع الذي هو تساوي أجزاء الفواصل من الكلام المنثور في قوافيها، وهذا فيه زيادة على ذلك، وهو أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفًا واحدًا.

وهو في الشِّعر أن تتساوى الحروف التي قبل رويّ الأبيات الشعرية.

وقد جمع أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان1 في ذلك كتابًا، وسمَّاه كتاب "اللزوم"2 فأتَى فيه بالجيد الذي يحمد، والرديء الذي يذمّ.

وسأذكر في كتابي هذا في هذا الموضع أمثلة من المنثور والمنظوم يهتدى بها.

فمن ذلك ما ذكرته في جملةٍ كتاب في فصل يتضمَّن ذمَّ جبان، فقلت:

"إذا نزل به خَطْبٌ ملكه الفَرَق, وإذا ضلَّ في أمرٍ لم يؤمن إلّا إذا أدركه الغرق".

ومن ذلك ما ذكرته في مبدأ كتاب إلى بعض الإخوان، فقلت:

"الخادم يهدي من دعائه وثنائه ما يسلك أحدهما سماء والآخر أرضًا، ويصون أحدهما نفسًا والآخر عرضًا، وأعجب ما فيهما أنها توأمان، غير أنَّ هذا مستنتج من ضمير القلب, وهذا من نطق اللسان".

فاللزوم ههنا في الراء والضاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015