فَجَاءَت بِرَجُل من بني حنيفَة، يُقَال لَهُ: ثُمَامَة بن أَثَال، فربطوه بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد، فَخرج إِلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَ، اطلقوا ثُمَامَة فَانْطَلق إِلَى نخل قريب من الْمَسْجِد، فاغتسل ثمَّ دخل الْمَسْجِد فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وأنّ مُحَمَّدًا رَسُول الله.
قلت: - رَضِي الله عَنْك - ترْجم قبل هَذَا على " ربط الْأَسير والغريم فِي الْمَسْجِد "، ثمَّ سَاق حَدِيث العفريت الَّذِي هّم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بربطه إِلَى سَارِيَة الْمَسْجِد، وَلم يربطه رِعَايَة لدَعْوَة سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - وَقد كَانَ ذكر الحَدِيث فِي هَذِه التَّرْجَمَة أوقع وأنص على الْمَقْصُود، لِأَن ثُمَامَة كَانَ أَسِيرًا، فَربط فِي الْمَسْجِد. فإمَّا أَن يكون البُخَارِيّ سلك عَادَته فِي الِاسْتِدْلَال بالخفي، والإعراض عَن الِاسْتِدْلَال الْجَلِيّ، اكْتِفَاء بسبق الأفهام إِلَيْهِ. وَإِمَّا أَن يكون ترك الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث ثُمَامَة، لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يربطه وَلم يَأْمر بربطه. وَحَيْثُ رَآهُ مربوطاً قَالَ: " أطْلقُوا ثُمَامَة "، فَهُوَ بِأَن يكون إنكاراً لفعلهم أولى مِنْهُ بِأَن يكون إِقْرَارا، بِخِلَاف قَضِيَّة العفريت، فَإِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هُوَ الَّذِي هّم بربطه. وَإِنَّمَا امْتنع لمَانع أَجْنَبِي. وَالله أعلم.
وَوجه مُطَابقَة حَدِيث ثُمَامَة للْبيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد أَن الَّذِي تخيل الْمَنْع. إِنَّمَا أَخذه من ظَاهر " إِن هَذِه الْمَسَاجِد إِنَّمَا بنيت للصَّلَاة، وَلذكر الله ". فبيّن البُخَارِيّ تَخْصِيص هَذَا الْعُمُوم الْحَاضِر بِإِجَازَة فعل غير الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد وَهُوَ ربط ثُمَامَة، لِأَنَّهُ لمقصود صَحِيح، فَالْبيع كَذَلِك. وَالله أعلم.
وَصلى ابْن عمر فِي مَسْجِد فِي دَار يغلق عَلَيْهِ الْبَاب.