قلت: رَضِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَنْك! ظنّ الشَّارِح أَن البُخَارِيّ قصد التَّرْجَمَة على صفة الْعلم، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَلَو كَانَ كَمَا ظنّ تقاطعت الْمَقَاصِد فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ التَّرْجَمَة. وَأي مُنَاسبَة بَين الْعلم وَبَين قَوْله: " وَمن لم يتغنّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ منّا ".
وَإِنَّمَا قصد البُخَارِيّ - وَالله أعلم - الْإِشَارَة إِلَى النُّكْتَة الَّتِي كَانَت بِسَبَب محنته حَيْثُ قيل عَنهُ: إِنَّه قَالَ: " لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق " فَأَشَارَ بالترجمة إِلَى تِلَاوَة الْخلق تتصف بالسّر والجهر. وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَونهَا مخلوقة.
وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ} ثمَّ قَوْله: {أَلا يعلم من خلق} تَنْبِيه على أَن قَوْلهم مَخْلُوق. وَقَوله: {وَلَا تجْهر بصلاتك} يَعْنِي بِقِرَاءَتِك دلّ أَنَّهَا فعله.
وَقَوله: " وَمن لم يتغنّ بِالْقُرْآنِ فأضاف التَّغَنِّي إِلَيْهِ دلّ على أَن الْقِرَاءَة فعل الْقَارئ.
فَهَذَا كلّه يُحَقّق مَا وَقع لَهُ من ذَلِك، وَهُوَ الْحق اعتقاداً، لَا إطلاقاً خوف الْإِيهَام، وحذراً من الابتداع بمخالفة النسف فِي الْإِطْلَاق. وَهُوَ الَّذِي أنكر عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي حَيْثُ قَالَ: من قَالَ: إِن الْقُرْآن مَخْلُوق فقد كفر، وَمن قَالَ: " لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فقد ابتدع ".
وَنقل عَن البُخَارِيّ أَنه سُئِلَ، هَل قَالَ هَذِه الْمقَالة؟ فَقَالَ: إِنَّمَا سُئِلت مَا تَقول فِي لفظك بِالْقُرْآنِ؟ فَقلت: أَفعَال الْعباد كلهَا مخلوقة. وَالله أعلم.
ذكره الْخَطِيب فِي تَارِيخه.